ويثبت هذا الثّناء العلوي في صميم الوجود، وهي شهادة من الله في ميزان الله لعبد الله، ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله ممّا لا يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين، ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم تبرز من نواحٍ شتى:
تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال، يسجّلها ضمير الكون، وتثبت في كيانه، وتتردّد في الملأ الأعلى إلى ما شاء الله. وتبرز من جانب آخر من جانب إطاقة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتلقّيها. وهو يعلم من ربّه هذا، قائل هذه الكلمة.
وإنّ إطاقة سيّدنا محمّد الرّسول الكريم عليه الصّلاة والتّسليم، لتلقي هذه الكلمة من هذا المَصدر الرّبّاني، وهو ثابت حين يتلقّاها من ربّه مطمئن، لا تتأرجّح شخصيته الزّكية تحت وقعها ولا تضطرب، هو ذاته دليل على عظمة شخصيته فوق كلّ دليل.
ولقد رويت عن عظمة خلقه في السّيرة، وعلى لسان أصحابه روايات منوّعة كثيرة. وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كلّ ما روي عنه. ولكن هذه الكلمة أعظم بدلالتها من كلّ شيء آخر، أعظم بصدورها عن العليّ الكبير، وأعظم بتلقّي سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم لها وهو يعلم مَن هو العليّ الكبير، وبقائه بعدها ثابتًا راسخًا مطمئنًا، لا يتكبَّر على العباد ولا ينتفخ ولا يتعاظم وهو الّذي سمع ما سمع من العليّ الكبير.. وهو الّذي يدعو ويُلِحّ ويقول: ”اللّهمّ أحيني مسكينًا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين” مع أنّه أوتي مفاتيح الدّنيا والآخرة وأعطي ما لم يُعْطَ أحد من المرسلين. والله أعلم حيث يجعل رسالاته، وما كان إلّا سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم بعظمة نفسه هذه مَن يحمل هذه الرسالة الأخيرة بكلّ عظمتها الكونية الكبرى، فيكون كفئًا لها كما يكون صورة حيّة منها.