لعلنا لا نوفق للإجابة إلا بالرجوع إلى تفتيش أنفسنا لنرى ما الداء الذي أوصلنا إلى هذه الحال؟، وما الدواء الناجع لهذا الداء؟ ولن يتذوق الإنسان حلاوة الإيمان حتى يسبق ذلك عملية تخلية قلبه من الأدران والأوساخ التي تفسد القلب كالحسد والكبر والعجب، ثم بعد ذلك تأتي عملية تحلية القلب.
ولن يتأتى لنا ذلك إلا بالرجوع إلى الوحيين: الكتاب والسنة، فقد جاء في الحديث الصحيح: عن أنس عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)1.
فإذا كنا نبحث فعلاً عن حلاوة الإيمان فليكن الله ورسوله وما يحب الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، وأن يحب بعضنا بعضاً لله وفي الله، ولأجل الله، وأن نتمسك بهذا الدين وأن لا نتنازل عنه قيد أنملة حتى وإن أدى بنا ذلك إلى ذهاب أنفسنا في سبيل ذلك، بل نكره أن نعود إلى الكفر وفعل ما يغضب الله كما نكره أن نقذف في النار -عياذا بالله-.
كما أننا لن نذوق طعم الإيمان إلا بأن نرضى بالله رباً، وبالإسلام الذي ارتضاه الله لنا ديناً، وبمحمد رسولاً ونبياً؛ فعن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً)2.
والرضا بالله ليست كلمة تقال، وإنما الرضا بالله: يتضمن الرضا بإلهيته، وهذا يعني الرضا بمحبته وحده، وخوفه والإنابة إليه، وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له. ورضا العبد بربوبية الله يتضمن الرضا بتدبيره، وإفراده بالتوكل والاستعانة والثقة والاعتماد، والرضا بكل ما يفعل، ويتضمن أيضاً أن يسخط العبد على عبادة غيره.
والرضا بنبيه: يتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه بحيث يكون أوْلى به من نفسه.
وأما الرضا بدينه: فإذا جاء الدين بأمر أو نهي أو حكم، رضي العبد كل الرضا، ولم يبق في قلبه حرج، ولو كان مخالفاً لهوى نفسه أو من يقلدهم3. فمن جمع هذه الثلاثة في قلبه فقد وجد حلاوة الإيمان؛ كما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
تذوق حلاوة الإيمان بحب القرآن، والبعد عن سماع المعازف والألحان، تذوق حلاوة الإيمان بالإكثار من نوافل الطاعات، تذوق حلاوة الإيمان بالرضا بقضاء الله وقدره.
فإذا تذوقت حلاوة الإيمان أورثك ذلك راحة وأنساً بالله، ففعلت ما يرضيه، وابتعدت عما يسخطه.
نسأل الله أن يرزقنا حلاوة الإيمان، وأن يعصمنا من مضلات الأهواء والفتن. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.