رغم ترخيص رجال الدين للمصابين بالأمراض المزمنة على رأسها داء السكري والقلب وارتفاع الضغط الشرياني بالإفطار خلال شهر رمضان، تصرّ غالبيتهم على إتمام الصيام، لينعكس ذلك على صحتهم سلبا، وهو ما يفسر نقلهم في حالة غيبوبة إلى مصالح الاستعجالات، متضررين من مضاعفات صحية متنوعة.
هم صائمون من نوع خاص، أصرّوا على إتمام فريضة الصيام رغم ما لها من تأثيرات سلبية وخيمة على صحتهم، يتصدرهم مرضى القلب والسكري الذين لم يحترموا تعليمات أطبائهم بعدم الصوم، فجازفوا بحياتهم لأنهم وبكل بساطة يرفضون الإفطار في شهر اعتادوا على صيامه طيلة حياتهم، حسبما أكدته لنا ابنة عجوز في السبعين من العمر، مصابة بداء السكري، تعرضت لمضاعفات صحية نقلت إثرها إلى المستشفى ساعتين قبل الإفطار في أول أيام الصيام، مضيفة أن والدتها تعرضت في رمضان الفارط لنفس الحالة، ورغم تنبيه الطبيب بعدم صيامها “إلا أنها تغتنم فرصة وجودنا بالعمل ووجودها لوحدها بالبيت لتبيّت الصيام”، لتجيبهم حينما يعاتبونها على إلقاء نفسها في التهلكة التي نهى عنها الله قائلة “أحسست بأن صحتي على ما يرام فنويت صيام أيام قلائل فقط”.
وغير هذه العجوز كثيرون ممن لم تثنهم أمراضهم المزمنة عن الصيام، ما سبب لهم مضاعفات صحية قد تصل مرحلة الخطورة في بعض الأحيان.
وعن المرضى الذين يصرون على الصيام رغم تأثيره السلبي على صحتهم، أكد لنا طبيب من مصلحة الاستعجالات بمستشفى مايو بباب الوادي أنهم يستقبلون ما بين 25 إلى 30 حالة يوميا، مضيفا أن 80 بالمائة منهم ممثلون في مرضى السكري والقلب الذين يمنع عليهم الطبيب الصيام خاصة الخاضعين للأنسولين ومن يتعاطون أدوية خاصة بأمراض القلب، ورغم ذلك يصرّون على الصيام.
وعن مرضى السكري، أوضح لنا الدكتور قادري محمد الطاهر، اختصاصي في أمراض السكري، أن ما يحدث لهم خلال الصيام هو انخفاض نسبة السكري في الدم بصفة ملحوظة، ما قد يدخلهم في غيبوبة، ويحدث هذا في الوقت الذي تصر نسبة كبيرة منهم على إتمام فريضة مقدسة عندهم لشهر أطلقوا عليه اسم “سيدنا رمضان”.
معرضون لتوقف القلب
وعن مرضى القلب وارتفاع الضغط الشرياني، أكد لنا طبيب مقيم بمستشفى بارني بحسين داي أن المضاعفات الصحية عندهم تسجل بعد الإفطار، حيث يستقبلون يوميا من يتعمّدون الصيام ويتعاطون دواءهم بعد وجبة السحور دون أن يستشيروا طبيبهم في ذلك، رغم أنه الوحيد المخوّل له نصحهم بتغيير مواعيد الدواء من عدمه، ما يعرضهم لمضاعفات صحية، مشيرا إلى أن مصلحة الاستعجالات للمستشفى ذاته تستقبل يوميا ما بين الفطور والسحور ما يضاهي الـ40 حالة، والسبب راجع، حسبه، لإقبال هؤلاء المرضى على الأكل بنهم غير مبالين بتعليمات الطبيب بأخذ وجبات خالية من الملح، ما يتسبب في إصابتهم بضغط على مستوى القلب قد يؤدي إلى توقفه.
وعن هؤلاء، أوضح لنا الدكتور مالك سعيداني، مختص في أمراض القلب، أن الملح الذي استهلكوه في الطعام يتسبب في تدفق الماء من داخل الجسم، باعتبار أن جسم الإنسان يحتوي على 80 بالمائة من الماء، وبالتالي فإن المياه الزائدة المنبعثة من الملح تسري في الجسم ومن شأنها أن تصب على مستوى الأطراف السفلى، ما يتسبب في انتفاخ الأرجل “كما قد تصب على مستوى الرئتين وتتسبب في انتفاخهما، ما يؤدي إلى الضغط على القلب ويتسبب في توقفه”، يقول الدكتور سعيداني، موضحا أن صيام هؤلاء مستحيل.
“ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”
عن رأيه في هذا الأمر، أوضح لنا الشيخ جلول حجيمي، رئيس نقابة الأئمة وإمام بمسجد فضيل الورتلاني بحي “تيلملي” بالجزائر العاصمة، أن الشريعة مبنية على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وبما أنها أباحت للمرضى، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة لما يتعلق بها من مضاعفات، أن يفطروا فعليهم احترام ذلك كون الشرع نهاهم عن إلقاء أنفسهم في التهلكة، وأباح للصائم الفدية بإطعام مسكين أو محتاج دون أن يكون عليه وزر في ذلك كونه معذورا.
كما أضاف حجيمي قائلا إنه يجب على بعض مرضى السكري الذين يرخّص لهم أطباؤهم الصيام، أن يعلموا بأنه إذا ما سجلوا أي تأثير سلبي على صحتهم يسقط عنهم الصيام، وعليهم ألا يدخلوا فيما لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، لأن الشريعة لا تقبل أن يستهان بشعائر الله لقوله عز وجل “ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”، وبالتالي فللمريض عذر وعذره مقبول، إن استطاع أن يصوم دون خطر على صحته فصيامه مقبول، يضيف حجيمي.