“يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّمًا فلا تظالموا”، وقال أيضًا: “اشتدّ غضبي على مَن ظلم مَن لا يجد له ناصرًا غيري”، وإنّ الله يُملي للظّالم؛ فإذا أخذه لم يفلته. والقرآن الكريم أعلن حربًا شديدة شاملة على الظّلم والظّالمين، ومن التّحذيرات الشّديدة والتوعّدات الأكيدة الواردة فيه، قوله سبحانه: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ}. نعم إنّ النّاس حين يرون الظّلم فاشيًا، ويرون الظّالم يزداد علوًا وطغيانًا وتمكينًا، ومع شناعة ظلمه وبشاعته يتأخّر العقاب!! يتساءل هؤلاء الّذين رَأَوْا فِعْل الظُّلم، فهم يتهامسون: تُرَى هل تَمَّ نسيان الظّلم الّذي ارتكبه فلان؟ هل هناك غفلة في الأمر؟
وهذا أمر خطير واقع في حياة النّاس، إذ كثيرون انخرطوا في صفِّ الظّلمة اغترارًا بتأخّر معاقبتهم، وكثيرون يئسوا من التّغيير لمّا رأوا بعض الظّلمة ظاهرين إلى حين!! فلهؤلاء جاءت هذه الآية مبيّنة سنن الله عزّ وجلّ مع الظّالمين، محذّرة الظّالمين وأتباعهم متوعّدة لهم، وعلى الّذين يتساءلون هذا التّساؤل أنْ يتذكَّروا قول الحقّ سبحانه: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}. وعلى ذلك فليست هناك غفلة؛ ولكن هناك تأجيل للعقوبة لهؤلاء الظّالمين، وتأخير الانتقام منهم إلى أجل مسمّى. والمراد بالظّالمين: كلّ مَن انحرفوا عن طريق الحقّ، واتّبعوا طريق الباطل.
وإتمامًا للفائدة هذا معنى كلمات الآية كما ذكره علماؤنا: شخَص البصر: إِذا بقيت العين مفتوحة لا تغمض من هول ما ترى. والإهطاع: إسراع المشي مع مدِّ العنق كالمتختّل، وهي هيئة الخائف. وإقناع الرّأس: طأطأته من الذّل، وهو مشتقّ من قنع من باب منع إذا تذلّل. والطّرف: تحرّك جفن العين. ومعنى لا يرتدّ إليهم لا يرجع إليهم، أي لا يعود إلى معتاده، أي لا يستطيعون تحويله، فهو كناية عن هول ما شاهدوه بحيث يبقون ناظرين إليه لا تطرف أعينهم. وقوله: وأفئدتهم هواء تشبيه بليغ، إذ هي كالهواء في الخلو من الإدراك لشدّة الهول، والهواء في كلام العرب: الخلاء.