عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ) فذكر منهم (ورجل منع فضل ماء فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك) (البخاري /2369) ...
إن سيد القوم خادمهم هكذا قالت العرب قديماً ولذلك لما سأل أعرابياً أناساً من أهل البصرة : من سيد القوم في بلدكم ؟ فقالوا الحسن أي البصري ..فقال بم سادهم ؟
قالو ا..احتاج الناس إلى علمه فنفعهم واستغنى هو عن دنياهم ...
والله تعالى يقول تعالى ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)(الرعد: من الآية17) و عن أبى ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) (رواه مسلم) ...
في أحد المستشفيات شاءت أقدار الله أن يجتمع مريضان في غرفة واحدة كان بهما أمراض متعددة منعتهم عن الحركة فكل واحد على سريرة لا يستطيع أحدهما أن ينظر إلى صاحبه بجانبه وكانت لغة التواصل بينهما هي الكلام فقط .. كان أحدهما بجانب النافذة ومسموحاً له بالجلوس في سريره لمدة ساعة يوميا بعد العصر ، أما الآخر فكان عليه أن يبقى مستلقياً على ظهره طوال الوقت .. كان هذا المريض الذي سمح له بالجلوس على النافذة ساعة كل يوم يستغل هذا الوقت لينقل لصاحبه ما يدور في هذا العالم وكان الآخر ينتظر هذه الساعة كما ينتظرها الأول ، لأنها تجعل حياته مفعمة بالحيوية وهو يستمع لوصف صاحبه للحياة في الخارج .. فيوم من الأيام يصف الشارع ويوماً يصف حركة الناس ويوماً يصف حالة الجو ويوماً يصف الأطفال والمناظر الجميلة والحدائق الغناء وهكذا كل يوم ... وكان المريض الآخر يشعر بالسعادة والراحة .. ومرت الأيام والأسابيع وكل منهما سعيد بصاحبه ، وفي أحد الأيام جاءت الممرضة صباحاً لخدمتهما كعادتها ، فوجدت المريض الذي بجانب النافذة قد قضى نحبه خلال الليل وفارق الحياة ، ولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلال حديث الممرضة عبر الهاتف وهي تطلب المساعدة لإخراجه من الغرفة ، فحزن على صاحبه أشد الحزن
وعندما وجد الفرصة مناسبة طلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النافذة ، ولما لم يكن هناك مانع فقد أجابت طلبه. ولما حانت ساعة بعد العصر وتذكر الحديث الشيق الذي كان يتحفه به صاحبه بكى لفقده ، ولكنه قرر أن يحاول الجلوس ليعوض ما فاته في هذه الساعة ، وتحامل على نفسه وهو يتألم ، ورفع رأسه رويداً رويداً مستعيناً بذراعيه ، ثم اتكأ على أحد مرفقيه وأدار وجهه ببطء شديد تجاه النافذة لينظر إلى العالم الخارجي ، وهنا كانت المفاجأة!!. لم ير أمامه إلا جداراً أصم من جدران المستشفى ، فقد كانت النافذة على ساحة داخلية سأل الممرضة هل كانت هذه النافذة التي كان يجلس لينظر منها صاحبي قالت نعم قال: لكنه كان يصف لي كل شيء جميل في هذه الحياة وحكى لها ما كان يدور بينهما وهنا كان تعجب الممرضة أكبر فقالت له ولكن المتوفى كان أعمى ولم يكن يرى حتى هذا الجدار الأصم ..!!! ولعله أراد أن يجعل حياتك سعيدة حتى لا تُصاب باليأس فتتمنى الموت .
أي عظمة هذه ؟ و أي مروءة ؟ إنه لم يبخل على صاحبه حتى بالشعور والأحاسيس وبذل من أجله المعروف وساعده ونفعه بأقصى ما يستطيع .. فلماذا لا يقوم كل واحدٍ منا بواجبه تجاه الآخرين من حوله حتى يكون من أهل المعروف الذين تفتح لهم أبواب السماء ويتجاوز عنهم الرب جل جلاله في يوم لا ينفع فيه إلا أعمالاً تبيض الوجوه وترفع الدرجات .. لماذا لا ترفع رصيدك قبل نفاذ الأسهم .. قبل الرحيل .