أنها نهاية الحياة وأنه لا خير فيها ولا نجاة منها ويتوقع الشر بكل صوره فيملئ قلبه بالخوف والقلق والاضطرابات النفسية وتأتيه التكهنات والهواجس في أقبح صورها وأبشع مظاهرها فتضعف القيم العظيمة في نفسه وتسوء أخلاقه وتنعدم الثقة بمن حوله فيخسر حياته وسعادته ودينه وآخرته ، ونسي هذا الإنسان أن لهذا الكون رباً عظيماً يحكم فيه بمشيئته ، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ، يبتلي العباد لحكمه هو يعلمها وهو أرحم بهم من أنفسهم .. ملكٌ يُدبِّر أمرَ عباده، يأمرُ وينهَى، ويُعطِي ويمنع، ويخفِضُ ويرفع، أوامرُه مُتعاقبةٌ على تعاقُب الأوقات، نافذةٌ بحسب إرادته ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29].. لا يغفل ولا ينام .. يُفرِّج كربًا، ويجبِر كسيرًا، ويُغنِي فقيرًا، ويُجيبَ دعوةً، ويدفع شراً وينصر مظلوماً ويبطش بجبارٍ ويطعم جائع ويشفي مريضاً قال عن نفسه:﴿ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 17]... لذلك كان لزاماً على المسلم أن لا يستسلم أو يضعف أو ييأس حتى لا تعتريه هذه الهموم والمخاوف والأوهام وليثق بالله وليتوكل عليه وإن نزل البلاء كان على يقين بأن هذه سنة الله في هذه الحياة وأن الله سبحانه وتعالى لا يريد بهذا البلاء مهما كان إلا الخير لعباده لحكمة قد لا نعلمها وقد لا ندركها وعليه أن يبذل ما يستطيع من جهد لدفعه بالوسائل الشرعية والمادية ولو بدعاء أو كلمة أو نصيحة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر والله سبحانه وتعالى يتولى بعد ذلك أموره كلها فيجعل بعد الضيق فرجا وبعد العسر يسرا ...
وانظروا إلى أصحاب الإيمان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب وقد تكالبت عليهم ورمتهم بقوس واحدة وحاصرت مدينتهم وقد بلغت القلوب الحناجر من شدة الحال واليهود قد نقضوا الصلح وتآمروا عليهم وفي هذه اللحظة العصيبة والموقف الحرج والجوع والليلة الظلماء والريح ماذا قال أصحاب الإيمان ؟ قال تعالى (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب22) ..ويوم أن خوفوهم بأعدائهم وعدتهم وكيف أنهم قد أجمعوا أمرهم على حربهم والقضاء عليهم بعد معركة أحد وما زالت جراحهم تنزف .. لم يخاف الصحابة ولم يعتريهم الهم والقلق ولم يتطرق اليأس إلى قلوبهم بل صور سبحانه وتعالى موقفهم وثباتهم وقوة إيمانهم وكيف كانت عاقبتهم قال تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران173] فما الذي حصل؟ كان الفرج الإلهي والتوفيق الرباني حظهم ونصيبهم جزاءا لهذا الإيمان واليقين بالله والتوكل عليه ( فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ ) [عمران173-174] ، ولذلك قال تعالى بعدها:( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) يعني: يخوفكم بأوليائه ومناصريه،( فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران175]
إن الأحداث والهواجس والمخاوف التي يعيشها المسلم مهما كان تأثيرها على مسيرة حياته وعلاقته بربه وبمن حوله وعلى واقع الحياة ومستقبل الأفراد والشعوب والمجتمعات .. قد لا يدرك وهو في حالة ضعف من الإيمان والصلة بالله أن طوق النجاة قريباً منه وأن الخير في متناول يده وأن الفرج قاب قوسين أو أدني ، ورب محنة كانت منحة ربانية للفرد المسلم والمجتمع المسلم إذا أحسنوا التعامل معها فمن ذلك:تكفير الذنوب والخطايا ورفع الدرجات وتطهير النفوس وتزكيتها وربطها بخالقها والتمكين والنصر والتمييز والتمحيص بين العباد ..ومعرفة أهل الصدق والصبر والإيمان .. وكشف وفضح أهل الخيانة والكذب والنفاق قال تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَـٰرَكُمْ ) [محمد:31] وقال تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155) ..
فإذا زارتك شدة فإنما هي سحابة صيف فلا يخفيك رعدها ولا برقها فربما تكون محملة بالغيث ... هبت عاصفة شديدة على سفينة فى عرض البحر فأغرقتها ونجا بعض الركاب منهم رجل أخذت الأمواج تتلاعب به حتى ألقت به على شاطئ جزيرة مجهولة و مهجورة ما كاد الرجل يفيق من إغمائه و يلتقط أنفاسه، حتى سقط على ركبتيه و طلب من الله المعونة والمساعدة و سأله أن ينقذه من هذا الوضع الأليم مرت عدة أيام كان الرجل يقتات خلالها من ثمار الشجر و ما يصطاده من أرانب ويشرب من جدول مياه قريب و ينام فى كوخ صغير بناه من أعواد الشجر ليحتمى فيه من برد الليل و حر النهار ... و ذات يوم، أخذ الرجل يتجول حول كوخه قليلا ريثما ينضج طعامه الموضوع على بعض أعواد الخشب المتقدة و لكنه عندما عاد، فوجئ بأن النار التهمت كل ما حولها فأخذ يصرخ : لماذا ؟ حتى الكوخ احترق، لم يعد يتبقى لي شئ فى هذه الدنيا و أنا غريب فى هذا المكان،والآن يحترق الكوخ الذي أنام فيه لماذا كل هذه المصائب تأتى علىّ؟!
نام الرجل من الحزن و هو جوعان و لكن فى الصباح كانت هناك مفاجأة فى انتظاره ... إذ وجد سفينة تقترب من الجزيرة و ينزل منها قارباً صغيراً لإنقاذه فلما صعد على سطح السفينة أخذ يسألهم كيف وجدوا مكانه ما الذي دلهم عليه ؟ فأجابوه: لقد رأينا دخاناً، فعرفنا إن شخصاً ما يطلب الإنقاذ .. فإذا ساءت ظروفك فلا تخف .... !!!!! فقط ثِق بأنَّ الله له حكمة في كل شيء يحدث لك وأحسن الظن به... والأحداث من حولنا والمصائب والكوارث والفتن قد تكون طوق نجاة لنا جميعاً لأن الله هو العدل الذي لا يجور فأحسنوا العمل وثقوا بالله وأحسنوا الظن به فإنه كريم عظيم ..