فأن كنا صادقين كانت الثمرة مرجوة والأثر واضح ... منذ سنوات , انتقل إمام أحد المساجد في بريطانيا إلى مدينة لندن- و كان يركب الباص دائماً من منزله إلى المسجد وكان أكثر الأحيان يستقل نفس الباص ويرى نفس السائق وذات يوم دفع أجرة الباص و جلس, فاكتشف أن السائق أعاد له 20 بنساً زيادة عن المفترض من الأجرة ... فكّر الإمام وقال لنفسه أن عليه إرجاع المبلغ الزائد لأنه ليس من حقه ثم فكّر مرة أخرى وقال في نفسه: "إنسَ الأمر, فالمبلغ زهيد وضئيل , و لن يهتم به أحد ... توقف الباص عند المحطة التي يريدها الإمام , ولكنه قبل أن يخرج من الباب , توقف لحظة ومد يده وأعطى السائق العشرين بنساً وقال له: تفضل, أعطيتني أكثر مما أستحق من المال!!! فأخذها السائق وابتسم وسأله: "ألست الإمام الجديد في هذه المنطقة؟ إني أفكر منذ مدة في الذهاب إلى مسجدكم للتعرف على الإسلام, ولقد أ عطيتك المبلغ الزائد عمداً لأرى كيف سيكون تصرفك" وعندما نزل الإمام من الباص, شعر بضعف في ساقيه وكاد أن يقع أرضاً من رهبة الموقف!!! فتمسك بأقرب عمود ليستند عليه,و نظر إلى السماء و دعا باكيا: يا الله , كنت سأبيع الإسلام بعشرين بنساً !!! .. نعم .. هكذا يجب أن نكون صادقين ونستشعر مسئولية الدين والقيم والأخلاق والأمانة التي تحملناها وحتى لا نكون ممن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل من أجل شهوة عارضة أو متاع زائل أو فتنة مضله أو منصب أو مال ..ذلك أن الصدق هو قول الحق والالتزام به ومطابقة الكلام للواقع وقد أمر الله تعالى بالصدق، فقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119] وضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتاً في الجنة لمن يلتزم بالصدق في أقواله وأفعاله فقال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة (أطرافها) لمن ترك المراء وإن كان مُحِقَّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُن خلقه) (صحيح الترغيب للألباني [3 / 6 ]
ما أكثر ما يباع الإسلام اليوم وأخلاقه وقيمه و تضيع الحقوق والأموال ويرتكب الظلم وتطمس الحقائق بسبب قول الزور وشهادة الزور وفساد السلوك وانفصام شخصية المسلم بين التوجيهات الربانية والسلوك في واقع الحياة على المستوى السياسي والإعلامي والإجتماعي .. شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص وكان والياً عليها إلى عمر بن الخطاب فقالوا إنه لا يحسن أن يصلي بالناس فقال سعد : أما أنا فو الله ما كنت أصلي بهم إلا صلاة رسول الله فأرسل عمر لجنة تحقيق إلى الكوفة فكانوا يسألون الناس عنه وعن حكمه فيثنون خيراً إلا رجل يقال له أبو سعدة قال : أما إذا أنشدتمونا الله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية ولا يسير بالسَّريَّة، فقال سعد وهو يرى هذا الزور والبهتان : اللهم إن كان كاذبًا فأعْم بصره وأطل عمره وعرضه للفتن، يقول أحد رواة الحديث : فأنا رأيته بعد ذلك قد سقط حاجباه على عينية يتعرض للإماء والجواري في شوارع الكوفة، فإذا سئل: كيف أنت؟ يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد ... فالصدق في الأقوال يجب أن يكون واضحاً وجلياً في سلوك المسلم في أسرته وفي تعامله مع أولاده وجيرانه وفي وظيفته وفي صحيفته ومجلته ومع طلابه وزملائه .... إنه عندما يسكنُ الصدقُ قلبَ التاجر، ويدَ الصانع، وعينَ الحائك، ولسانَ المحدِّث والسياسي والخطيب، وقلمَ الكاتب والصحفي، ومخطَّطَ المهندس، ووصفة الطبيب، وسلوك المعلم ولسان المسؤل وسلوك الرجل وتعامل المرأة وأخلاق الشباب .. عندئذٍ تسعد المجتمعات وتزدهر الأوطان وتحفظ الحقوق وتعم السعادة والطمأنينة قلوب الجميع ويحفظ المرء دينه وعقيدته .. إنه لا نجاة يوم القيامة إلا بالصدق ولا عظمة ولا سمو في هذه الدنيا إلا بالصدق وإن أبواب الجنة لا تفتح إلا لأهل الصدق عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا اؤتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم )) ( أخرجه أحمد 323 / 5)( صحيح الجامع (1018)... إن الناس يسمعوننا بأعينهم وليس يآذانهم .. إنهم يريدون سلوك صادق .. إنهم يريدون قرآن يمشي على الأرض .. هذا ما يريدون .. يكفي شعارات ... !!