فكثيراً ما نقرأ عن حياة السلف أن فلاناً كان يقرأ القرآن في ليلة واحدة، والآخر يختمه في اليوم والليلة، ونقف متسائلين: هل هذه مبالغات من القول أم أنه حق؟ وطالما أنه حق فأنى لنا بذلك؟
أنت تستطيع ذلك بإذن الله بالشروط الآتية:
1- أن تمتلك قلبا مثل قلوبهم، مخلصاً، مشتاقاً، يحسن الظن بربه، متوكلاً على مولاه فهو حسبه، منافساً في مرضاة الله، مسابقاً في الخيرات، فهل تمتلك هذا القلب؟
2- أن تكون مشغولاً جداً وليس عندك أوقات للفراغ، بل أنت صاحب مهمات كثيرة جداً في رمضان وكلها لازمة واجبة (صلاة وعمل، إعداد للطعام، وغير ذلك).
3- أن تكون متفائلاً متدرباً على ذلك قبل دخول رمضان وأنت صائم، في يوم شديد حرُّه، بعيد ما بين طرفيه.
4- رفقة تسابقها وتنافسها، ولتكن هذه الرفقة هم الصحابة رضوان الله عليهم، فغالباً لن تجد بين الأحياء من يعينك على هذه المهمة، وإن وجدت فلا بد أن تخرج خُمُسَهُ زكاةً ؛ فهذا كنز.
5- الحدر في القراءة، السرعة والخفة مع مراعاة الأحكام.
6- عدم التكلف نهائياً، فليس لديك وقت، وليس لديك جهد؛ فأنت لن تستطيع أن تشرب إن جف حلقك؛ لأنك صائم، فارفق بنفسك، والتكلف مذموم طبعاً وشرعاً.
7- احترم الدقيقة تحترمك، ولابد من ضبط الوقت، فالجزء لا تستغرق قراءته أكثر من 15 دقيقة (على الأكثر ولا مبالغة) ؛ وبذا أنت تحتاج سبع ساعات ونصف الساعة (450 دقيقة فقط ليس غير) في يوم كان مقداره 1440 دقيقة، أرأيت كيف هي مهمة سهلة جداً.
8- لابد من إعداد قائمة بالأوقات التي يمكنك استغلالها، وهذا بيان لأكثرها، والكل أعلم بأوقاته:
- قبل الفجر ساعة (4 أجزاء).
- بين الأذان والإقامة في صلاة الفجر حوالي 20 دقيقة (جزء وزيادة).
- بعد ختام الصلاة وأذكار الصباح إلى صلاة الشروق حوالي ساعة ونصف (6 أجزاء)، وأجر حجة وعمرة، فاهنها متقبلا.
- في المواصلات على أقل تقدير 15 دقيقة ذهاباً و15 إياباً (30 دقيقة)؛ جزآن، وعلى أقصى تقدير 60 دقيقة ذهاباً و60 إياباً (120 دقيقة) ؛ حوالي خمسة أجزاء؛ فقد تكون مرهقاً لذا أعطيتك راحة خمسة دقائق.
- إن كنت رجلاً ؛ فلديك بعد صلاة العصر كنز ثمين، الأهل مشغولون بإعداد الطعام، فالزم المسجد إلى صلاة المغرب حتى لا تفوتك صلاة الجماعة (حوالي 3 ساعات تقريباً) ؛ 12 جزء على أقصى تقدير، و11 جزء على أقل تقدير.
- ربع ساعة تمكثها في المسجد القريب من منزلك قبل أذان العشاء ثم ربع ساعة أخرى تقريباً بين الأذان والإقامة (جزآن)، وهذا ما أنصحك به أن لا تضيع الأوقات في المواصلات لتصل إلى مسجد بعيد عنك، تخير مسجداً قريبا منك يختم كل ليلة جزء، والإمام فيه صوته حسن.
- إن كنت امرأة أو بلا عمل نهاري، فما أجمل أن تزيد المدة التي بعد صلاة الفجر إلى 5 ساعات ( حوالي 17- 20 جزء) ثم تنام من التاسعة صباحاً إلى قبل الظهر بنصف ساعة، وأرباب الهمة العالية لا ينامون، أي قليلو النوم.
- بعض الأشغال - تستطيع قراءة القرآن فيها دون تضييع للمصالح أو الأعمال، وهذا أفضل من الثرثرة فيما لا يفيد أو يحرم (عدد الأجزاء: جزآن على الأقل).
- أثناء الراحة في صلاة التراويح، حوالي نصف ساعة مجتمعة أو متفرقة (جزآن على الأكثر).
- هنيئا لك إن كنت حافظاً للقرآن عن ظهر قلب؛ فأنت أكثر الناس قراءة للقرآن في كل مكان وزمان وحال.
- وإن رزقك الله بعمرة في رمضان، فلا تضع الزمان، وهناك لا بأس أن تقضى اليوم كله في قراءة الأجزاء، ولا تنتهك الأوقات في استبدال العملة والشراء؛ فالكعبة فقط هناك، والهدايا في خان الخليلي (القاهرة) والمنشية (الإسكندرية) وكل أعلم ببلده.
أراك باغتنام هذه الأوقات وغيرها تستطيع بإذن الله أن تقرأ أكثر من 30 جزءًا في اليوم والليلة، ولكن لا أنصحك بالزيادة؛ فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
هذا ما أراه يفعله من يريد المسابقة إلى الخيرات والمنافسة لنيل الدرجات العاليات، ولا تنس (أياماً معدودات).
واعلم أنه لا يشترط التدبر في ختمة الحسنات التي يطالب بها المسلم في الأزمنة الفاضلة والأماكن الفاضلة، وهذا ما نص عليه العلماء ودرج عليه السلف، ولا بأس من ختم القرآن في أقل من ثلاث، راجع: لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي، كيف تقرأ القرآن الكريم في رمضان وغيره من الشهور، د. محمد سهيل، وهو موجود على الشبكة.
الأصول : الإخلاص، التوكل والاستعانة، والصبر والمثابرة.
مطلوب: إغلاق الفم، تأجيل المواضيع الهامة والتافهة إلى بعد رمضان، ولا داعي للتافهة عموماً، فالأعمار نفيسة.
ماذا لو اجتهدت في نشر هذا الموضوع حتى يكون لك أجرَ من قرأ وعَملَ بما فيه من الصحيح، جنبنا الله وإياكم الزلل.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.