أما بعد ..
فهذا مخلوق صغير ، يشكل خطراً كبيراً على دين الناس ودنياهم ، يؤثر كثيراً في مجتمعات الناس .
هذا المخلوق ربما أوقع الفساد في المجتمعات ، وربما جلب المزيد من الفوضى في حياة الناس .
هذا المخلوق حينما نعرف كيفية استغلاله فسوف نحقق الحب في عالم الحياة ، سوف نصنع الأمل في النفوس ونفتح السعادة على قلوب الكثيرين .
حينما نعمره بالحسنات فسوف نجلب رضا الرحمن ، ونفوز بدرجات عاليةٍ في الجنان .
إن هذا المخلوق هو " اللسان ".
هو نعمة لديك ، بها تتحدث وتتكلم وتبين مافي نفسك ، وربنا يقول " علمه البيان ".
ويقول جل وعز " ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين ".
ومع عظيم نعمة الكلام والبيان إلا أن هناك من أهمل لسانه فسار به نحو الهاوية والآثام .
ولقد تكاثرت النصوص في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على وجوب العناية باللسان وضبطه عن المحرمات ، ومن تلك النصوص :
قال تعالى " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ".
وقال جل وتقدس " إذ تلقونه بألسنتكم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ".
ومن الأحاديث النبوية :
ماقاله النبي صلى الله عليه وسلم " وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ". رواه الترمذي بسند صحيح .
معاشر الكرام ..
تعالوا معي لنقف على جملةٍ من آفات اللسان التي يقع فيها بعض الناس ، نعرفها لنحذر منها ونبتعد عنها ، ونجاهد أنفسنا على عدم الوقوع فيها ، ونربي أولادنا وبناتنا على تجنبها لنكون في سلامةٍ من سوء عاقبتها .
فمن آفات اللسان " الجرأة في الفتيا والكلام في التحليل والتحريم بلا علم " وهذا مشاهد في بعض الجلسات ، يتحدثُ أحدهم في مسألةٍ شرعية فيبدأ عامةُ الناس في الكلام عليها بلا علمٍ ولا دليلٍ شرعي ، وهذا من كبائر الذنوب ، لأن التحليل والتحريم قضيةٌ كبرى لايجوز الإقدامُ عليها إلا لمن كان لديه علم .
قال تعالى " ولاتقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون ".
وحينما تتأمل في واقع السلف في تأخرهم عن الفتيا وبعدهم عنها تجد عجباً .
قال أحدهم : أدركت ١٢٠ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مامنهم من أحد يُسأل إلا ودَّ أن أخاه كفاه .
فياعبدالله ، لاتتكلم في التحليل والتحريم بلا علم ، وتعلم الصمت .
ومن آفات اللسان " السخرية بالآخرين " .
للأسف أننا نسمع من بعض الناس هذه الآفة ، فهذا يسخر بقبيلة الآخر ، وهذا يسخر بجنسيته ، وثالث يسخر بوظيفته وشهادته .
وربنا يؤدبنا " لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ".
ياعبدالله ..
إن موازين الرب ليست كموازيننا ، إن العبرة عند الله بالتقوى لا بالمظاهر ولا بالمناصب .
فكم من شخص ربما ضحكتَ عليه أو سخرتَ به هو عند الله خير منك ومن ملايين البشر ممن هم مثلك .
أيها المحب ، لاتسخر بغيرك فتخسر حسناتك ، وتُسخط ربك ، وتقع في أودية الآثام وقبل أن تشتغل بعيب الآخرين والسخرية بهم ، هلاّ نظرت إلى عيوبك فأصلحتها .
ومن آفات اللسان " الاستهزاء بالدين والرسول " وهذا قد تلحظه في تغريدةٍ أو رسالة جوال أو قد يظهر من حروف في مقال .
وهؤلاء الذين يقعون في الاستهزاء بالدين قد وقعوا في جرم كبير ، إنه الكفر بالله تعالى .
ذلك المستهزئ ربما كان في صباح اليوم من المسلمين ولكنه بعد كلماتِ الاستهزاء خرج من الدين ليكون في صف الكفار .
قال تعالى " قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ".
هذا يستهزئ بالصلاة ، أو بالحجاب ، أو بالقرآن ، وهذا كاتب يستهزء بحديث رسول الله .
مهلاً أيها المستهزئ رفقاً بنفسك .
ومن زاوية أخرى نقول لمن يجلس في مواطن الاستهزاء ، يجب عليك أن تنكر هذا المنكر الذي تشاهده أو تسمعه فإن لم تقدر فاخرج من ذلك المجلس .
قال تعالى " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ..".
ومن آفات اللسان " الكذب ".
وهذه الآفة تجدها عند ذلك البائع الذي يحلفُ على بضاعته أنها بذاك السعر ، وآخر يكذبُ في مواعيده واعتذاراته .
ومنهم من يكذبُ في منامه ويزعمُ أنه رأى كذا وكذا وهو كاذب .
وهذا الوالد يكذبُ على ولده ويعدهُ بهديةٍ أو بشيء فيكذبُ في ذلك .
أيها الكاذب ترفق واحذر من ويلات الكذب " إن الكذب يهدي للفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ..". رواه البخاري .
ومنهم من يكذب في وظيفته فيتأخر عن الدوام ويكذب في موعد وصوله وتوقيعه ومنهم من يكذب ويحضر تقارير من المستشفى في غيابه .
ومن آفات اللسان " الفحش والسب واللعان ".
اتصلت تلك الزوجة وقالت : لقد مللتُ من زوجي .
قلت : وما ذاك ؟
قالت : ياشيخ زوجي يسب ويلعن بشكل دائم .
عجباً له ، ماهذه الأخلاق ؟
أين هذا من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها " ماكان رسول الله فاحشاً ولامتفحشاً ".
عجباً لحال بعض الناس ، لاتسمع منهم إلا الكلمات السيئة التي تجلب العداوات .
ياعبدالله ، إن جمالَ خلقك يجبُ أن يظهر من حروفك التي تنطق بها .
إن الكلمةَ الطيبة صدقة ، وتجلبُ المحبة ، وتغسلُ القلوب وتشرحُ الصدور .
معاشر الكرام ..
اعلموا أن من آفات اللسان " الغيبة " وهي ذكرك أخاك بما يكره ، تلك الآفة التي لايسلم من شرها إلا القليل .
تلك المعصية التي شبهها الله بالتشبيه الذي تشمئز منه النفوس " أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ".
وفي مجتمعاتنا نتساهل في الغيبة ، نتحدثُ عن عيوبِ الآخرين ، عيوب السلاطين ، وعيوب العلماء ، وعيوب المصلحين ، وعيوب الأقارب ، وعيوب النساء ..
وهكذا تجري ألسنة البعض بالطعن والنيل من الآخرين .
مهلاً أيها المغتاب واحفظ لسانك الذي سوف يرمي بك إلى جهنم وبئس المصير .
قال صلى الله عليه وسلم : أكثر مايدخل الناس النار الأجوفان الفم والفرج . رواه أحمد بسند صحيح .
ومن جراحات اللسان " النميمة " وهي نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد .
والويل لمن كان هذا شأنه ، قال صلى الله عليه وسلم " لايدخل الجنة نمام ".
والنمام يفسد في ساعة مايفسده الساحر في سنة .
النميمة تدمرُ المجتمعات وتوقعُ العداوة بين الناس وتفسدُ الأخوة وتقطعُ الصلات .
فيا عبدالله احذر منها ومن أهلها .
اللهم ارزقنا التقوى في الأقوال والأعمال ..
.....
الحمد لله ..
أيها الكرام .
إن ضبط اللسان من الوقوع في الآفات أمر يحتاج لمجاهدة وتربية حازمة .
ومن جاهد نفسه في الله وجد من الله العون ، قال ربنا تبارك وتعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ".
فأمسك لسانك عن الآثام ، واحفظ حروفك لكي لاتلقي بك في النيران .
ياعبدالله .
لقد جاء أحدهم وقال للرسول صلى الله عليه وسلم : ما أخوف ما تخاف علي يا رسول الله ؟
فقال: هذا، وأشار إلى لسانه . حديث صحيح رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم " أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ". حديث حسن .
وهذا أبو بكر يأخذ بلسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد .
ويهمس ابن مسعود ويقول : والله ماشيء أحق بطول سجن من اللسان .
ويعظنا ابن عباس ويقول : يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم .
فيا أحبتي الكرام .
الله الله في حفظ اللسان عن الآثام ومراقبة الله الذي يسمع كل الكلام .
اللهم وفقنا للخيرات وجنبنا الفواحش والمنكرات .
اللهم اجعل جوارحنا مسارعةً في الصالحات .
اللهم افتح لنا مغاليق الأمور ، اللهم اشرح الصدور ، ونور القلوب والقبور .
اللهم كن للمسلمين في مشارق الارض ومغاربها .