أجبروا الصبي الصغير وفق خطة شيطانية ضاغطة للخروج، ليس من قلب أبيهم فحسب، بل من بيتهم وربما تمنى أكثرهم أن يخرج من الحياة ليريح ويستريح، أو هكذا كان العزم، وكان ما أرادوا بنسبة كبيرة، ولكن لم تكتمل النسبة، باعتبار أن الخير موجود دوماً ولو بنسبة ضئيلة محدودة في قلوب أشر البشر.
خطتهم أن ينهوا حياة الأخ الأصغر بقتله، لولا عناية الله التي تجسدت في تلك النسبة الضئيلة من الخير في قلب أحدهم، الذي اقترح أن يلقوه في بئر بدلاً من القتل، فإما أن يموت ببطء أو يجد له مخرجاً، فالأهم عنده ألا يرى دم أخيه يوسف يسيل أمامهم.. وهكذا صار الأمر الى آخر القصة المعروفة في سورة يوسف عليه السلام، لمن أراد أن يستزيد.
الشاهد من القصة وخاصة في نهايتها، أن الخير ينتصر في أي جولة صراع مع الشر، والحق يصرع الباطل مهما تطول وتتعدد الجولات. إذ بعد معاناة يوسف بسبب حسد إخوانه وخطتهم الشيطانية للتخلص منه، وما عانى بعد ذلك من حياة الرق والابتلاء في بيت عزيز مصر ثم السجن لسنوات.. بعد كل تلك السنوات، يجزيه رب العباد خير الجزاء، ويرى رؤيته التي رآها منذ سنوات طوال تتحقق وتتجسد أمامه.
الشمس والقمر والكواكب الأحد عشر التي رآهم ساجدين له، تحولوا في الواقع إلى أبيه وأمه وإخوانه وهم يسجدون له سجود احترام وتقدير، كما كانت في شريعتهم تلك الأيام ، بعد أن تمكن في الأرض وصار علماً ورمزاً في تلك الدولة.. "يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً".
هكذا يعلمنا القرآن كيف أن المرء منا مطالب بالعمل إلى آخر رمق من حياته، لا يستكين ولا يستسلم ولا ييأس من رحمة الله وتوفيقه، وخاصة حين يدخل صراعاً مع باطل، فإن الباطل مصيره أن ينهزم ويزهق ولو طال الزمن، فنحن مطالبون بالعمل الجاد المخلص، وليس النتائج التي يتكفل بها الله ويحققها وفق حكمة هو سبحانه يراها، فهكذا القرآن.. دروس لا تنتهي، ولكن لمن أراد أن يستخلص ويتعظ ويعتبر.