فلما أقبل الموعد رأته ابنته حزينا باكيا وكان في البنت صلاح..
فقالت له : ما يبكيك يا أبتاه؟
قال : الحج أقبل.
قالت : ومالك لا تحج؟
فقال : النفقة.
قالت : يرزقك الله.
قال : ونفقتكم؟
قالت : يرزقنا الله.
قال : لكن الأمر إلى أمك.
ذهبت البنت لتذكر أمها..
وفي النهاية قالت له الأم والأبناء : اذهب إلى الحج وسيرزقنا الله.
فترك لهم نفقة 3 أيام ، وذهب هو إلى الحج وليس معه ما يكفيه من المال ، فكان يمشي خلف القافلة ،
وفي أول الطريق لسعت عقرب رئيس القافلة ، فسألوا من يقرأ عليه ويداويه ، فوجدوا حاتم ، فقرأ عليه فعافاه الله من ساعته.
فقال رئيس القافلة : نفقة الذهاب والإياب عليّ.
فقال : اللهم هذا تدبيرك لي فأرني تدبيرك لأهل بيتي.
مرت الأيام الثلاثة ، وانتهت النفقة عند الأبناء ، وبدأ الجوع يقرص عليهم ، فبدؤوا بلوم البنت ، والبنت تضحك!
فقالوا : ما يضحكك والجوع يوشك أن يقضي علينا؟!
فقالت : أبونا هذا رزاق أم آكل رزق؟
فقالوا : آكل رزق ؛ وإنما الرزاق هو الله.
فقالت : ذهب آكل الرزق وبقي الرزاق.
وهي تكلمهم وإذا بالباب يقرع ،
فقالوا : من بالباب؟
فقال الطارق : إن أمير المؤمنين يستسقيكم.
فملأت القربة بالماء ، وشرب الخليفة فوجد حلاوة بالماء لم يعهدها!
فقال : من أين أتيتم بالماء؟
قالوا : من بيت حاتم.
فقال : نادوه لأجازيه
فقالوا : هو في الحج.
فخلع أمير المؤمنين منطقه-وهي حزام من القماش الفاخر المرصع بالجواهر- ، وقال : هذه لهم.
ثم قال : من كان له عليّ يد-بمعنى«من يحبني»-
فخلع كل الوزراء والتجار منطقهم لهم ،
فتكومت المناطق فاشتراها أحد التجار بمال ملأ البيت ذهباً يكفيهم حتى الموت ، وأعاد المناطق إليهم .
فاشتروا الطعام وهم يضحكون فبكت البنت!
فقالت لها الأم : أمرك عجيب يا ابنتي ؛ كنا نبكي من الجوع وأنت تضحكين ، أما وقد فرج الله علينا فمالك تبكين؟!
قالت البنت : هذا المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا «الخليفة» نظر إلينا نظرة عطف أغنتنا إلى الموت ، فكيف بمالك الملك!
إنها الثقة بالله . إنها الثقة بالرزاق ذو القوة المتين. إنها قوة الإيمان وقوة التوكل على الله .فسبحان الله أين نحن من ذلك .
حين اختارك الله لطريق هدايته ليس لأنك مميز أو لطاعةٍ منك ، بل هي رحمة منه شملتك ، قد ينزعها منك في أي لحظة،
لذلك لا تغتر بعملك ولا بعبادتك ولا تنظر باستصغار لمن ضل عن سبيله فلولا رحمة الله بك لكنت مكانه..