فباب التوبة مفتوح إلا في أمرين هما : عندما تغرغر الروح أي عند الموت وعند خروج الشمس من مغربها. فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم... يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم" (رواه مسلم) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه الواحد يستغفر الله أكثر من سبعين مرة وفي رواية أخرى بأنه كان يستغفر الله في مجلسه الواحد مائة مرة (رواه البخاري ومسلم) وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن يريد أن يكون لله عبداً شكوراً، والتوبة لها فضائل كثيرة أسرار بديعة وفوائد متعددة ومنها:
1- سبب للفلاح والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة قال تعالى: [أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (القلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه).
2- سبب لتكفير السيئات وتبديلها إلى حسنات قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ] وقال تعالى: [إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "التائب من الذنب كما لا ذنب له" وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً بشيء عندما نزلت هذه الآية وفرح أيضاً عندما نزلت عليه إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً).
3- سبب للحياة الطيبة والخير العظيم على الفرد والمجتمع قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا] وقال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ].
4- أنَّ الله أشد فرحاً بتوبة العبد من ذلك الرجل الذي أضاع راحلته في الخلاء عليها زاده فاستظل تحت شجرة ينتظر الموت فنام فاستيقظ فوجد راحلته فوق رأسه فأخطأ من شدة الفرح فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك.
5- أنَّ الله أرحم بالعبد من أمه وأبيه فكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد غزوة خيبر ينظرون إلى امرأة تبحث عن وليد لها بين الجرحى والقتلى فعندما وجدت الوليد وضعته على صدرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أهي ملقية وليدها في النار" قال الصحابة لا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الله أرحم بالعبد من هذه الأم على وليدها". 6- نداء من الله عز وجل قال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (من يئس من عباد الله من التوبة فقد جحد كتاب الله عز وجل) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الآية: (هذا نداء من الله للمشركين والكفار والمذنبين والمسيئين بالتوبة).
7- التوبة سبب لتفريج الكروب وبسط الرزق وتكفير السيئات قال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ] وقال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا] وقال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا].