إلا أن الإسباني خافيير هيرنانديز الذي ولد بذراعين مبتورين أثبت أنه المجنون العاقل ليقتحم معترك التحدي الأكبر في حياته.
وقال هيرنانديز الذي دون قصة كفاحه وتجربته الحياتية في كتاب تحت عنوان "من القدم إلى الرأس" في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "قبل أن ألمس الماء أو أعرف إن كان باردا أم ساخنا، سألت المدرب عن ما يجب علي فعله لأشارك بدورة الألعاب البارالمبية .. لم يسقط عنه لباس البحر لأنه كان محكما لكن الرجل فغر فاه من هول الصدمة".
وتمكن السباح الأسباني الذي لم يتعود على التدرب بشكل اعتيادي حتى ذلك التاريخ، ليس فقط من التدرب برفقة الفريق القومي لبلاده الذي سافر إلى لندن، لكنه نجح في خوض السباق النهائي لخمسين مترا "ظهر"، ليحمل معه إلى سرقسطة تلك المدينة الواقعة في شمال شرق أسبانيا والتي ولد ويقيم فيها شهادة ميلاد أولمبية.
وشهدت الأعوام الثلاثة اللاحقة على قرار هيرنانديز بالمشاركة في دورة الألعاب البارالمبية بلندن قيامه بمجهود خارق وصل في كثير من الأحيان إلى حد القسوة، حيث كان يتدرب ستة أيام في الأسبوع صباحا ومساءا بواقع 40 ساعة داخل حوض السباحة.
وأثبت التحدي الذي خاضه هيرنانديز طوال ثلاث سنوات من الإعداد الشاق أنه صاحب شخصية قوية تعكس روحه القتالية وقناعته أن الفارق يمكن للعقل وحده أن يصنعه.
وأضاف هيرنانديز قائلا: "كل ما يمكنك أن تتخيله أو يمكنك تصديقه شكل وعينا من جديد لنصبح أكثر حرصا في حياتنا الشخصية .. نحن نطالب أبنائنا بالمذاكرة لتحقيق العلامة الكاملة في الاختبارات المدرسية، حيث أن نصف العلامة لا يفيد لكننا اكتشفنا أننا نحيا لنحقق نصف العلامة فقط، أعتقد أنه يجب علينا أن نعيد حسابتنا فالأطر التعجيزية الأساسية في حياتنا مصدرها العقل".
كانت هذه هي الرسالة الأساسية التي أراد هيرنانديز أن تصل للجميع والتي تنبع من تجربته الحياتية، حيث قام بوضع إعاقته كمثال لكل ما يمكنه أن يؤثر على معنويات الأفراد ويمثل حاجزا بينهم وبين أحلامهم مثل الخوف والفشل.
وولد هيرنانديز البالغ من العمر الآن 35 عاما بدون ذراعين وتشوه واضح في القدمين.
وانتقل هيرنانديز إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سن صغيرة ليخضع هناك للعديد من العمليات الجراحية التي لم يقدر لها النجاح.
ورغم ذلك، أسس هيرنانديز حياته معتمدا على التكيف على إعاقته القاسية، التي من خلالها أراد أن يبعث رسالة مفادها: "أعتمد على ما أملك فعليا وليس على ما ينقصني".
وتابع: "جميع الأشخاص السعداء وأصحاب القدرات الكبيرة الذين عرفتهم وعاشوا حياة مفعمة بالبهجة ومليئة بالأحداث وذات مضمون قيم هم من كانوا يعتمدون على ما يمتلكون ليحصلوا على قوتهم الحقيقية".
ووهب هيرنانديز المهام الوظيفية لذراعيه المبتورين لقدميه,، لينقر بهما لوحة مفاتيح الحاسوب ويتناول الطعام ويمسح نظارته، وهو الشيء الذي يثير التعجب في نفوس من لا يعرفونه.
وتحدث هيرنانديز عن هذا الأمر قائلا: "هناك شيء يجب التعامل معه ولا مفر منه، خاصة في بلد تمتلك مثل عاداتنا الثقافية والتعلمية وهو الفضول الذي يدفع أحدهم إلى التساؤل كيف يمكن لشخص ما دون ذراعين أن يستحم .. ولهذا إذا لم نعمل على تجاوز هذا التصور الجسدي المحض لن نستطيع الانتقال إلى التصور الفلسفي، وهذا أمر لا بد منه لأنه إذا لم تقم بوأده منذ البداية سيظل عائقا ليشوه الأفكار والرسائل التي تود إيصالها للناس".
ويرى هيرنانديز الذي ترك عمله كصحفي واعد في المجال الرياضي من أجل أن يحقق حلمه الأولمبي أن الحياة لا معنى لها دون تحديات جديدة، ولهذا شرع البطل الأولمبي قبل سنتين في الحصول على رخصة مهنية عبر الأنترنت للعمل في مجال تدريب كرة القدم بالأرجنتين.
وعن هذا الأمر قال هيرنانديز ساخرا: "إنها نفس الرخصة التي يمتلكها سيميوني .. بمجرد حصولك على التصريح يمكنك أن تمتهن التدريب مثل سيميوني".
ويأمل هيرنانديز في الالتحاق بإحدى الأجهزة الفنية بعد الحصول على رخصة التدريب الذي أصبح مولعا به.
واختتم قائلا: "إذا قمت بشيء يتبقى أمامك العديد من الأشياء، الهدف هو الحصول على مفاتيح جديدة كل يوم ثم ننتظر لنرى أي باب سيفتح بأحدها، لا أعلم إلى أين يسير المستقبل لكن أعي تماما أنه يأتي يوما بيوم .. لا يوجد طريقة أخرى".
كلمات دلالية :
خافيير هيرنانديز، سباحة.