فلو وضعنا هذه الجملة شعاراً لحياتنا سنكون إن شاء الله من الفائزين، فهذا الشعار أو هذه الجملة إذا وضعناها نصب أعيننا نخلص إلى أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولو كانت تساوى ما سقى الكافر منها شربة ماء ، فهذه الجملة في الحقيقة دعوة إلى العمل لما بعد الموت كما ورد (أن العاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) وهى دعوة أيضاً لبيان حقيقة الدنيا وأنها معبر أو ممر فإن الدنيا دار فناء أما الآخرة فهي دار البقاء وهى الحياة الحقيقية وكما قال الله عز وجل { وإن الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون} وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الدنيا أنها بالنسبة للإنسان كراكب استظل بظل شجرة لبعض الوقت ثم مضى في طريقه مرة أخرى.. أي أن العمر مهما طال فهو قصير وكما تقول الجملة الفلسفية ... أن عمر الإنسان كلما زاد نقص ... وأن حظ الإنسان من هذه الدنيا هو عمره فقط وليس عمر الدنيا فلو كان عمر الدنيا ملايين السنين فإن حظ الإنسان من هذه الملايين ستون أو سبعون (أعمار أمتي بين الستين والسبعين) وقليل من يجاوز ...
وهناك من يتوفى وهو صغير ... فلكل أجل كتاب ... وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .. فمن مات قامت قيامته ، فلذا يجب على الإنسان أن يعي هذا جيداً وألا تغره الأماني ويسرع بالعودة إلى الله وأن تكون آخرته وحسن الخاتمة هي شغله الشاغل فليعمل الجميع {لمثل هذا فليعمل العاملون} وتلك الجملة أيضاً تهون على الإنسان مصائب الدنيا والابتلاءات والاختبارات التي يضع اللهُ فيها الإنسان لأن الدنيا في الحقيقة أيضاً دار ابتلاء واختبار ... قال تعالى {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير * الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} وقال أيضاً {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا} وقال أيضاً {ونبلوكم بالخير والشر فتنة} ليرى الله ما نحن فاعلون إزاء هذه الابتلاءات، وقد بشرنا عز وجل بأن الصبر على هذه الابتلاءات له أجر عظيم، قال تعالى {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} وكما ورد أن الله عز وجل قد سأل سيدنا نوح عليه السلام وقد عاش يدعو إلى الله تسعمائة وخمسون عاما { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } .. ماذا وجدت الدنيا يا نوح؟ قال الدنيا بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر ... سبحان الله بهذه البساطة .. وبعد هذا العمر الطويل المديد .. وماذا بين هاذان البابان بالنسبة لنا جميعاً.
ندعوا الله أن يجعل الدنيا في أيدينا ولا يجعلها في قلوبنا وأن يحسن ختامنا جميعاً إنه أهل ذلك والقادر عليه.