تقسيم سياسي أم إداري؟

ويؤكد مسؤولون عايشوا التقسيم الإداري الذي أجرته الحكومة منتصف الثمانينات، بأنه تجاهل عبر عديد المناطق المعايير الموضوعية، بعد أن تدخل أصحاب النفوذ لترقية مناطق كانت في رتبة دوار إلى ولايات، هي ما تزال تعاني لحد اليوم من مشاكل التنمية، مما أبقى على التقسيم الإداري ملفا مفتوحا إلى غاية اليوم، ينتظر التسوية بالشكل السليم بعيدا عن الجهوية والعاطفة والنفوذ، وبحسب وزير سابق تحفظ عن ذكر اسمه، فإن التقسيم الإداري الذي أعادت الحكومة إحياءه من جديد كان مطروحا منذ منتصف الثمانينات، وكان يتضمن رفع عدد الولايات إلى 73 ولاية، وإلغاء الدوائر ورفع عدد البلديات، غير أن قلة الإمكانات المادية جعلت التقسيم الذي جرى أنذاك يكتفي برفع الولايات إلى 48 ولاية، ومضاعفة عدد البلديات الذي قفز عددها من 720 بلدية إلى 1541 بلدية، علما أن هذا الإجراء صادق عليه نواب البرلمان، الذين رفعوا توصيات وقتئذ تنص على مواصلة مشروع التقسيم، قبل أن يوضع طي النسيان لمدة ثلاثين سنة كاملة، رغم ارتفاع مطالب بترقية مناطق شهدت قفزة نوعية من حيث الكثافة السكانية والتنمية، لجعلها في مصاف الولايات، بدليل أن هذا المطلب تكرر على مسامع رئيس الجمهورية عديد المرات خلال نزوله بعدد من المناطق.

كما تم طرح فكرة إلغاء الدوائر، بدعوى أنها لم تساهم سوى في مضاعفة الإجراءات البيروقراطية، وكان الهدف من المقترح تقريب المواطنين من مقرات الولايات، مع مراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، غير أن الأمور لم تسر وفقا ما كان مرجوا، وفي تقدير ذات المسؤول السابق فإن اهتمام المواطنين آنذاك كان ذا طابع محلي، بمعنى أن أكثر ما كان يهم المواطنين هو ترقية مناطقهم إلى بلديات، معتقدا بأن التقسيم الإداري اليوم لم يعد يهم كثيرا، بسبب بروز مطالب سياسية أخذت نصيبا من اهتمام الرأي العام.

ويصف الوالي السابق لوهران "بشير فريك" التقسيم الإداري بالقضية الحساسة التي لا يجب معالجتها بطريقة سطحية، من خلال الاعتماد على معايير صحيحة، من بينها المعطيات السوسيولوجية والاقتصادية وكذا الكثافة السكانية والمساحة، قائلا بأن مناطق عدة طلبت ترقيتها إلى ولايات، ولكن هل تتوفر على المعايير المطلوبة؟ وما هي البلديات والدوائر التي ستخضع لها؟ علما أن التقسيم الإداري قد يقوم في كثير من الأحيان على اعتبارات جيوسياسية وجيوستراتيجية، وذكر المتحدث على سبيل المثال استحداث ولاية تندوف، رغم أنها تضم بلديتين فقط، هما تندوف وأم العسل، في حين أن ولاية بومرداس، حين تم ترقيتها لم تكن حتى بلدية، بل مجمعا سكنيا لعمال سوناطراك.

 في حين كانت تحيط بها برج منايل التي كان لديها المقدرات لتترقى إلى ولاية، معتقدا بأن التقسيم الإداري يعادل التنمية، وهو يتضمن إنشاء هياكل ومؤسسات جديدة، ومشاريع جديدة أيضا، وخلق حركية واسعة، فضلا عن تقريب الإدارة من المواطن، ومراعاة التركيبة البشرية، وأعطى على سبيل المثال ضم جامعة ومغير إلى ولاية وادي سوف وتڤرت لولاية ورڤلة، في حين أن المناطق الثلاث تنتمي جميعها إلى ما يعرف بوادي ريغ، وتوقع المصدر أن يتم ترقية مناطق إلى ولايات بالنظر إلى اعتبارات سياسية واقتصادية، وأعطى على سبيل المثال جانت، مع ضرورة تمكين الولايات الجنوبية التي سيتم استحداثها من إمكانيات مضاعفة، أكثر من تلك التي استفادت منها ولايات استحدثت سنة 84، لتحقيق التنمية الفعلية.