إنّ شهر رمضان فرصةٌ مواتية للتّجديد والتّغيير، وإصلاح النّفوس والقلوب وتطهيرها من الآفات والعيوب، كيف لا يكون فرصة مواتية للإصلاح والتّغيير وكلّ شيء في هذا الكون العظيم يتغيّر، إذ تفتح فيه أبوابُ الجنّة، وتغلّق أبواب النّار، وتصفّد الشّياطين، وتنزل البركات والرّحمات والخيرات في كلّ ليلة من لياليه، وخاصة ليلة القدر الّتي تتنزل فيها ملائكة الرّحمن حتّى تملأ الدّنيا.
وهذا التّجديد قد أراده منّا ربّنا عزّ وجلّ إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة:183. فهو تغيير نحو تّقوى الله سبحانه وتعالى.
فرمضان هو المحطة الكبرى في حياة المسلم، إذ يساعد الله فيها العباد فيصفّد لهم الشّياطين ويبسط يده فيعطي ويجزل. وهو نفحة إلهية وعطية ربّانية للعالم، فيه يستطيع المرء أن يُجدّد حياته ويبعث فيها الأمل، ومن الوسائل الّتي تجدّد حياة الإنسان في رمضان:
وقت السَّحر: وهو الوقت المبارك الّذي يضيعه أغلب النّاس في أغلب العام، فيأتي رمضان لينبّههم عليه فيوقظهم ليتقووا من خلال الطعام، ولكن كثيرًا من النّاس يقضون هذا الوقت في الطعام وينسون الحديث الشّريف: “إنّ الله ينزل في الثُّلث الأخير من كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا فيقول: ألَا هل مِن مُسترزق فأرزقه، ألَا هل من مستغفر فأغْفِرُ له، ألَا كذا ألَا كذا، حتّى يطلع الفجر”.
صلاة الفجر في المسجد: وهي كذلك يضيّعَها النّاس في سائر أوقات السنة، فيأتي رمضان ليوقظ في أنفسهم أن هناك صلاة مشهودة في المسجد: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إٍنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}.
الدّعاء والإكثار منه: لاسيما في هذا الشّهر المبارك، حيث إنّ دعاء الصّائم مستجاب كما ورد في الحديث الشّريف: “ثلاثة لا تُرَد دعوتهم... الصّائم حتّى يَفطر”.
قراءة القرآن والتفكُّر والتدبُّر: فهذا الشّهر هو شهر القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، ويستحبّ للمسلم أن يختم المصحف ولو مرّة واحدة مع مراعاة التّفكّر والتّدبّر.
صلاة الجماعة في المسجد: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “مَن غدَا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له نزلًا في الجنّة كلّما غدَا أو راح”.
وليجعل المسلم لنفسه في رمضان ساعة على الأقل يقرأ فيها، وليبدأ من سيرة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، فهي الوعاء الّذي نزل فيه الإسلام الحنيف.
وهناك كثير من الوسائل الّتي تجعلنا نجدّد حياتنا في رمضان، منها الإكثار من النّوافل وقيام اللّيل والتصدّق وصلة الأرحام وإدراك معاني الأخوة في الله ومراعاة شعور المسلم، فكلّها تعطي للحياة معنى آخر غير المعنى الّذي كنّا قد اعتدناه.
أخي الصّائم.. إن لم تتغيّر في رمضان، فمتى تتغيّر؟ وإن لم يتجدّد إيمانك فيه، فمتى يتجدّد؟ وإن لم تجتهد في إصلاح أحوالك فيه، فمتى يكون ذلك؟ وإنّ شهر رمضان فرصة ذهبية لمَن أراد التّوبة النّصوحة، وأراد تجديد العهد مع ربّه عزّ وجلّ. فيا مقلّب اللّيل والنّهار، اهدنا وخُذ بأيدينا وارْحَم حالنا، يا حليم يا غفّار.