والمتمعن في الصيام يجد أن غايته هي تقوى الله عز وجل، وتعظيم حرماته، وجهاد النفس على مخالفة الهوى، والبُعد عن ما حرم ونهى، فليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات الحسية فقط، بل وجب حفظ الصوم وصونه من كل ما يدنسه أو ينقص أجره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)، وقد أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام إلى طريقة حفظ صيامنا مما قد يخل به، فقال عليه الصلاة والسلام : (إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ)، هذا التوجيه النبوي يترك أثراً في النفس المسلمة لبيان عظمة هذا الأمر، وتربية للأمة علىالأخلاق الرفيعة، والسماحة في القول والفعل، لتكون درساً تستفيد منه في رمضان وفي سائر شهور العام، وقد اعتنى سلفنا الصالح بهذا الأمر فقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قوله : "ذا صمتَ فليصُم سمعك وبصرُك ولسانُك عن المحارِم، ودَع عنك أذَى الجار، وليكُن عليك سكينةٌ ووقار يومَ صومِك، ولا تجعل يومَ صومك ويومَ فِطرك سواء"، ويقول ابن القيم رحمه الله: "الصوم هو صوم الجوارح عن الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده ، فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته ، فتصيره بمنزلة من لم يصم"، وروي عن أحد الصالحين قوله : "ليس الصوم صوم جماعة عن الطعام، وإنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام، وصمت اللسان عن فضول الكلام، وغض العين عن النظر إلى الحرام، وكف الكف عن أخذ الحطام، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام".