الوقفة الأولى: علامة قبول العمل
لكل شيء علامة، ومن أعظم علامات قبول الطاعات والحسنات، أن يوفق العبد لأعمال صالحة بعدها والاستقامة على الخير، وظهور أثر العمل على سلوك العبد وإخلاص القلب وعمل الجوارح، فليكن رمضان نقطة انطلاق ومنبع الخيرات، وما بعده امتداد ونتيجة للتنافس في الصالحات.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كونوا لقبول العمل أشد هما منكم بالعمل, ألم تسمعوا الله عز وجل يقول (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين).
قال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا قال!
الوقفة الثانية: كيف حالك بعد رمضان؟!
المتأمل لحال كثير من المسلمين بعد رمضان يجد العجب العجاب، فبعد الإقبال على الله وكثرة الطاعات والأجواء الإيمانية الرائعة، ينقسم الناس عدة أصناف، فالموفق والسعيد من استمر على طاعة الله والمحافظة على أداء الفرائض والاستزادة من النوافل والسنن، والابتعاد عن المعاصي والمحرمات.
صنف آخر لم يكن لرمضان أي أثر أو بصمة في حياتهم وسلوكهم، حتى صار صيامه عادة وصلاته روتين، بل بعضهم عياذا بالله يكون عليه رمضان ثقيل جدا يتمنى انقضائه ليعيث في الأرض فسادا، ويرجع أسيرا لشهواته وملذاته وشياطين الأنس والجن!
الانتكاس داء خطير ومرض عضال، فإياك أن يصل فتورك بعد رمضان حد الانتكاس والتقهقر واقتراف الخطايا والآثام.
لنحذر كل الحذر أن نكون ممن قال فيهم يحيى بن معاذ رحمه الله: عملٌ كالسراب، وقلبٌ من التقوى خراب، وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب، ثُمَّ نطمعُ فِي الكواعب الأتراب، هيهات أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك.
الوقفة الثالثة: كيف نداوم على العمل الصالح؟
لما كان للنفس إقبال وإدبار بحسب الزمان والمكان والحال؛ ينبغي أن نحافظ عليها حال الروحانية ونتعهدها تقويما وتثبيتا ساعة الركود والفتور، وإياك أن تكن من عبّاد رمضان، فالله رب رمضان وشوال وسائر الشهور، وليكن شعارك المداومة على الأعمال الصالحة بمواسم الخيرات وبعدها إلى أن تلقى الله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام( إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعمَلَهُ، قِيلَ: وما يَستعمِلُهُ؟ قال: يفتَحُ لهُ عملًا صالحًا بين يدَيْ موتِه حتى يرضَى عليه مَنْ حَوْلَهُ ).
ومن أعظم وسائل المداومة على العمل الصالح بعد رمضان:
1- الإكثار من مجالسة الأخيار وصحبتهم، والتعرف على سير الصالحين، والحرص على مجالس الذكر، فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة.
2- المواظبة على أداء الفرائض الخمس بأوقاتها في المسجد، والمداومة على قراءة ورد قرآني يومي مع تدبر الآيات ومعرفة المعاني، والإكثار من ذكر الله عز وجل.
3- طلب العون من الله والاستعانة به وحسن الالتجاء إليه، وكثرة الدعاء بالثبات، والابتعاد عن مفسدات القلب من أصحاب السوء واستماع الأغاني والغيبة والنميمة ومجالس اللغو، والخوض في الباطل وضياع الأوقات.
ولتعلم أخي المسلم أن المداومة على الصالحات من أحب الأعمال إلى الله، وعندما سئل عليه الصلاة والسلام( أيُّ العملِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: أدْومُه وإن قَلَّ ).
ومن روائع سلفنا الصالح في المداومة على الصالحات؛ أن عائشة رضي الله عنها كانت تصلي ثماني ركعات من الضحى ثم تقول: لو نشر لي أبواي ما تركتها، وبلال رضي الله عنه كان يحافظ على ركعتي الوضوء، وسعيد بن المسيب رحمه الله ما فاتته تكبيرة الإحرام خمسين سنة.