نعم، قد يرى كثيرون مثل هذا الأمر حين التأمل في أمر الشر والخير، ولكن مع ذلك أقول إن الشر، وإن طال أمده، فهو أقصر من أمد الخير، الذي لا يتوقف ولا ينتهي إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا.
وحتى تطمئن النفوس أكثر فأكثر، فإن آيات في القرآن كثيرة ودالة على أن الخير متواصل، والشر زائل، وأن الأول يخرج من حيث لا يمكن في غالب الأحوال تصوره.. والشر يزول من حيث لا يمكن توقعه.. ومن قوة الخير أنه يخرج من رحم وعمق الشر نفسه.. وإليكم بعض الأمثلة.
اتفق إخوة يوسف على قتله والتخلص منه ليعود أبوهم إلى ما كان عليه قبل مجيء هذا الطفل إلى الحياة الدنيا، والذي تسبب في انجذاب قلب الأب إليه أكثر من بقية إخوته، الأمر الذي أثار حسدًا وحقدًا عليه دون أن يكون له ذنب في العملية كلها! هكذا اشتعلت نار الغيرة والحسد في القلوب حتى عميت واحترقت ووصلت إلى درجة من الشر أن استحسنت فكرة قتل أخيهم الصغير الضعيف.
لكن سبحان من بيده يقلب القلوب كيفما شاء.. نبت خيرٌ من داخل غابة الشر تلك، ونما سريعًا سريعًا، ليتسبب في إنقاذ الصغير يوسف من شر إخوته الكبار.. اقترح أحدهم ألا يكون التخلص منه بالقتل، ولكن برميه في أي جُب أو بئر، حتى إذا ما جاءت أي قافلة سيارة للسقي، وجدوه وأخذوه إلى حيث يشاؤون.. فوافقت الفكرة هوى القلوب الحاسدة، وكان ما كان من قصة إنسانية عجيبة معروفة.
قصة موسى عليه السلام نموذج آخر يتبين منها كيف أن الخير ينتصر، مهما يبلغ الشر قوة وفجورًا وشراسة.. فالتعليمات الفرعونية واضحة تقضي بقتل كل مولود إسرائيلي ذكر دون تردد، لكن موسى يصل إلى أصل الشر كله يومذاك، قصر فرعون، فيأتي الخير لينتصر في صورة زوجة فرعون، التي رق لرقتها وفطرتها قلب الفرعون نفسه، ووافق على تبنّي زوجته آسية لهذا المولود الإسرائيلي، وبقية القصة المعروفة.
القصص القرآنية هذه ما حكاها القرآن للترفيه، بل التنبيه إلى جملة أمور، منها الخير والشر والصراع الطبيعي المستمر بينهما، وحتمية انتصار الخير وإن طال الزمن.. فهنيئًا لأهل الخير ومادته بعد هذه الحقيقة القرآنية الحياتية، فيما لا عزاء للشر وأهله ومادته، فإنهم زائلون لا محالة.