وهو يعين الداعية في السير إلى الأمام بعد التأمل في سير العظماء الرجال من علماء ومجاهدين ومن كرماء وأبطال الصابرين، وما لاقوه من صنوف البلاء وألوان الشدائد، وبخاصة أصحاب الدعوات وحملة الرسالات من أنبياء الله ورسله المصطفين الأخيار، الذين جعل الله من حياتهم وجهادهم دروساً بليغة لمن بعدهم ليتخذوا منها أسوة، ويتعزوا بها عما يصيبهم من متاعب الحياة وأذى الناس، يقول الله _تعالى_:(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)، وأمتنا الإسلامية على مر عصورها لم تخل من نماذج عظيمة وقمم سامقة، سواء في ميادين العلم والعبادة أو ميادين الجهاد والدعوة أو ميادين العطاء والتضحية وسجل لهم التاريخ مواقفهم الثابتة كي يقتدى بهم من أهل الصبر والعزائم.وقد وعد الله الصابرين الأجر الجزيل في الدنيا والآخرة وبين أنه مع الصابرين. و إن الصبر هو الحبس يقال: صبر على الأمر: احتمله ولم يجزع (المعجم الوسيط- مادة صبر). وهو حبس النفس على ثلاثة أمور: الأول: على طاعة الله. الثاني: على محارم الله. الثالث: على أقدار الله المؤلمة.
الصبر يميز المؤمن من أدعياء الإيمان: يقول الله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) ويقول سبحانه: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يصب منه".وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)
منزلة الصابرين: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) وقال: (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) وقال: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة". وعن عائشة رضي الله عنها: "أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرها أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد".
والصبر سلاح المؤمن: عن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس قام فيهم فقال: "يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم".