تحصلت "الشروق اليومي" حصريا على وثائق ودراسات مهمّة تبين خطط سير المجموعات والتنظيمات الإرهابية الموجودة على منافذ عديدة من حدودنا الشاسعة، والتي تتخذ من دول الجوار، التي تشهد توترا وانفلاتا أمنيا، مقرا لها ولغرف عملياتها.
الوثائق والدراسات التي تحصلت عليها "الشروق" كانت من قلب ليبيا، بل ومن قلب أكبر المعسكرات الإرهابية التي يشن الجيش الليبي حملاته ضدها، والتي تتنوع بين "أنصار الشريعة" و"داعش" وحتى تنظيم "القاعدة"، معسكرات تحمل داخلها "أمراء" جزائريين وتونسيين وليبيين يعملون على غسل أدمغة الشباب المغرر به بعمليات يروِّج لها على أنها "بطولية"، في حين تتجاهل نفس التنظيمات أن ما تسمِّيها "كبرى العمليات" باءت كلها بالفشل وأُجهضها جميعها أسود وأبطال الجيش الجزائري وكل القوات الأمنية، آخرها عملية تينقنتورين.
هذه الأخيرة ولأول مرة في وسيلة إعلامية ستكشف "الشروق" خلفيات العملية وطريقة التحضير لها من قِبل غرفة عمليات تابعة لجماعة "المرابطون"، كانت تسيِّر الهجوم من قلب مالي، في دراسةٍ توثيقية سرية سميت بـ"تيقنتورين.. الحرب على وكلاء فرنسا في الجزائر"، وهنا لا ننسى أن عملية تيقنتورين كانت بعد 4 أيام فقط من القصف الفرنسي لمعسكراتهم ومقرّاتهم شمال مالي، ما كبّدهم خسائر فادحة فأرادوا رد الاعتبار عن طريق عملية أفشلت هي الأخرى على يد الجيش الجزائري بل وكسّرت شوكتهم وأفسدت جميع حساباتهم.
الدراسة التوثيقية للعملية حملت صورة غلاف واجهتها، قائد العملية "عبد الرحمان أبو دجانة" الذي قتل أثناء العملية على يد الجيش الجزائري، وهو تابع لكتيبة "الموقعون بالدماء" وهي كتيبة فدائية تعتمد في أساليبها القتالية على تنفيذ العمليات الخاصة، وقد تم تأسيسها بعد الضربات الماحقة التي تلقاها التنظيم على يد القوات الفرنسية في إقليم أزواد شمال مالي، وتمثل الكتيبة الذراع العسكري لجهاز العمل الخارجي بجماعة "المرابطون" في الصحراء الكبرى.
تبيِّن الدراسة التوثيقية أن التنظيم عمل في السنوات الأخيرة على التركيز على ثلاث نقاط، وهي استطلاع ومسح للنقاط الحيوية للهدف المعني: منها الاقتصادية والسياسية والعسكرية على امتداد الشمال الافريقي، وتجهيز الوسائل الضرورية الخاصة لتنفيذ مثل هذه العمليات، وكذا الرفع من كفاءة وتدريب الإرهابيين على مثل هذا النوع من العمليات الخاصة، ومنه بدأ التجهيز لعملية تيقنتورين تحت قاعدة "إذا أردت السلامة فلا بد أن تكون جاهزا للحرب"، خاصة وأن التنظيم الإرهابي اعتبر أن المجمع الغازي هام جدا لما له من قيمة استراتيجية واقتصادية وسياسية لكونه أكبر حقل منتج للغاز السائل في الجزائر.
الدراسة التوثيقية التي يتمّ اليوم "تدريسُها" للشباب المغرر به داخل ليبيا من قبل التنظيمات الإرهابية، ذكرت أن الخطة انقسمت إلى شطرين، أوّلهما الرصد العلمي باستعمال شبكة الأنترنت والاستعلامات لدراسة تركيبة المصنع والشركات المساهِمة فيه، طرق العمل، قوة الانتاج، الجنسيات العاملة وحتى استعمال "غوغل ايرث" لدراسة الموقع والتضاريس المحيطة به...
أما الجهة الثانية من المخطط الذي استعمله التنظيم فقد كان الرصد الميداني، والذي حسب ما ذُكر في المذكرة له وجهان الأول كان طابعُه استكشافياً بمحاولة اختراق الموقع من الداخل لضبط شكله الحقيقي والجانب الأمني من التحصينات والحواجز وكاميرات المراقبة والانتشار الأمني داخل الموقع وحتى أوقات المناوبة، زيادة على أماكن تواجد الموظفين الغربيين، وهنا خصّ التنظيم بالذكر الإطارات والمديرين الذين استعملهم أثناء العملية دروعا بشرية للهروب بعد أن حوصروا من قبل الجيش الجزائري وباتوا داخل مصيدة عجزوا عن الخروج منها أحياء.
التنظيم تحدّث داخل المذكرة أيضا عن الطابع الاستخباراتي في الخطّة، والذي كان الغرض منه النيل من أكبر عددٍ من العمال داخل الحقل النفطي، حيث ذكر أن الهجوم اختير له أن يتزامن مع اجتماع ضمّ مديرين لأربع شركات عالمية على رأسها "بريتيش بيتروليوم" البريطانية و"سيت أويل" النرويجية، ومنه التوجّه إلى خطة الرصد الميدانية للطرق والمعابر البرية والتركيز على الإحداثيات باستعمال أجهزة "جي بي أس" والاستعانة بالخرائط والمناظير الليلية، ولم يستثنِ التنظيم بعض العناصر المدنية التي تورّطت معهم في الموضوع وساعدتهم في عملية التجسس ضد الحقل النفطي، وهي نفس العناصر والخلايا النائمة التي تمكنت القوى الأمنية الجزائرية من إلقاء القبض عليها لاحقا.
وقد حملت المذكرة بين صفحاتها صوراً لمعسكرات تدريب عناصر "الموقعون بالدماء" والتي عن طريقها يتم انتقاء الأشخاص المنفذين للعملية على غرار العمليات التي سميت بـ"الموقعين" الأولى والثانية، وهي العملية المزدوجة التي نفذت ضد منجم استخراج اليورانيوم لشركة "أريفا" الفرنسية وقاعدة عسكرية في شمال النيجر، والتي تكبد فيها التنظيم خسائر فادحة فقد على إثرها كل عناصره.
المثير في الموضوع أن التنظيم الإرهابي كشف عن الأسلحة التي استعملها في هجومه على الحقل النفطي تيقنتورين، مبررا أنه لم يستطع استعمال الأسلحة الثقيلة، لأن حركته كانت سريعة ومحسوبة ولم يستطع التصريح أن العملية في الأساس كانت فاشلة بكل المقاييس، وبالعودة إلى المُعِدّات فقد ذكر التنظيم الإرهابي أنه أخذ معه مدفعيْ هاون 60 ملم وعدداً 02 من القذائف "أر بي جي"، 06 بيكات والقناصات، مع كميات معتبرة حسبه من الذخائر والقذائف، زيادة على صواريخ أرض جو "ستريلا" المضادّة للمروحيات، هنا أشار التنظيم الإرهابي أنه فوجئ خلال اتصاله من غرفة العمليات بمالي بالمجموعة المنفذة، أن قائد العملية لم يأخذ معه صواريخ أرض- جو وكذلك الدشكات، ولم يبرر التنظيم سبب هذا الأمر بل اعتبره من بين الأسباب التي أدّت إلى فشل العملية، كما ذكر أيضا باقي الأجهزة المستعملة والتي تنوّعت بين أجهزة الاتصال اللاسلكي وهواتف "الستالايت" وكذا أجهزة الملاحة "جي بي أس".
الدراسة التوثيقية لجناح "الموقعون بالدماء"، أشارت في طيّاتها وبين سطورها إلى أن الإرهابيين المنفذين للعملية بقوا في مكان من الصحراء الشاسعة مختبئين لمدة شهرين، والاحتمال الأقرب أنهم قصدوا صحراء مالي لأنهم ذكروا أن القيادة في هذه الأخيرة بقيت على تواصل دائم معهم دون أن تخبرهم بمكان المهمة، إلا عند تحديد ساعة الصفر، نفس القيادة ذكرت أن المنفذين من الإرهابيين لم يكونوا على دراية بمكان المهمة إلا ثلاثة قادة فقط خوفا من التسريبات في إشارة واضحة من التنظيم أنه مخترق أساسا من قبل مجندين لديه..
... يُتبع