مقولة تاريخية شهيرة قالها رسول كسرى إلى المدينة، وقد كان مبعوثًا ليرى سيرة وأحوال خليفة المسلمين الذي بلغت شهرته الآفاق، وسمع به الشرق والغـرب، فلما رآه نائمًا في المسجد وبعض آثار الغبار على وجهه، انطلقت تلك الكلمات التاريخية لتصف رجلًا لم يسع يومًا إلى شهرة وأضواء، وهو بمثابة أكبر رؤساء الدول في ذاك الوقت.. لكن قدر الله لعمر أن يكون مشهورًا، ولكن مع ذلك لم تسلبه الشهرة تلك أو الملك العظيم الذي كان تحت سيطرته النفسية العمرية التي تربى عليها أو الطبع العمري، حيث باطنه كظاهره، ولم يسيطر عليه شعور "الأنا" الذي مع كل إنسان منا، بل هو من سيطر عليه وقاده إلى حيث الحق، فكانت النتيجة شهادة نالها وجوار خير خلق الله حازه، وخلود ذكرى إلى ما شاء الله من الدهر.
إن شعور "الأنا" وحب الشهرة، مثلما هو حلو جميل لحين من الدهر قصير، فهو كذلك جالب للمتاعب ومن مصادر التوتر والقلق لأي أحد منا يكون "الأنا" فيه هو السيد وهو الأقوى وهو المؤثر وهو الموجّه.
الشهرة والأضواء التي يعيشها كثيرون، أحد أهم عوامل تقوية شعور أو روح "الأنا" في النفس، إذ غالبًا يكون المشهور على درجة من الأنانية الخفية، التي لا يدري كثيرًا عنها، فقد تجده يزعم سعة الصدر لكنه حين يستشعر خطر منازعة قريبة من أحد ما في بعض ما لديه من أضواء وشهرة، ستجد شعور "الأنا" فيه يندفع كالسيل ليكتسح هذا القادم أو المنافس!
لو تتأمل في المشهد قليلًا لوجدت أن الأمر كله لا يستأهل كل هذا التوتر وتلكم القلق، بل عش حياتك على طبيعتها، ولا تبحث عن أضواء وشهرة قد تجلب لك مالًا ووجاهة، وتسلب منك خفية عاملًا مهما في حياتك لا يُقدر بثمن، هدوءك النفسي والتمتع بالعيش دون مكدرات ومنغصات. وما تهرّب المشهورين من جماهيرهم وإحاطة رجال الأمن والحماية بهم طوال الوقت، إلا مشهد من القيود غير المباشرة لا نراها نحن الجماهير، فيما يعاني من قسوتها المشاهير! والدنيا بجملتها لا تستحق أن يكبل الإنسان نفسه بقيود إضافية، فهي ذاتها قيد كبير منذ الولادة وحتى الممات. وصدق المعري حين قال:
تعب كلها الحياة فما أعجب.... إلا من راغب في ازديادِ