لاحظ أن الذين خرجوا إلى بدر الكبرى من الصحابة لم يتجاوز عددهم الثلاثمئة وبضع رجال، في الوقت الذي كان عدد الصحابة من المهاجرين والأنصار بالمدينة، أكبر من ذلك بكثير، وكان قد خرج أولئك النفر الثلاثمئة لمهمة محددة، تغيرت في لحظة معينة حرجة لحكمة أرادها الله سبحانه.
يقول العلماء بأن أولئك كانوا صفوة الناس يومذاك، وما كان اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ليكونوا في مهمة اعتراض قافلة قريش، إلا لحكمة إلهية سيعلمها الناس بعد حين من الدهر قصير. ذلك أن المهمة التي بدت يسيرة بادئ الأمر، تطورت لتكون مواجهة عسكرية مع قريش، دونما أي استعداد نفسي أو بدني لازم لقتال عنيف سيكون فيه دماء وآلام ومصاعب، لا تتحملها سوى نفوس مصطفاة معينة، فكانوا هم البدريين.
البدريون الذين اصطفاهم الله لمهمة التفريق بين الحق والباطل وكسر شوكة الشرك والكفر في أولى المواجهات، كافأهم الله بعد ذلك بشيء يتمناه كل مسلم، كما جاء في الصحيح أن الفاروق عمر عاتب أحد الصحابة وهو حاطب بن أبي بلتعة، لأنه أخبر قريشاً بخبر تجهيز الرسول صلى الله عليه وسلم لغزو مكة، فسأل أن يضرب عنقه لأنه نافق، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ".. إِنّهُ قد شهد بدرًا، وما يدرِيك لعل اللَّهَ أَن يكون قد اطَّلع على أَهْل بدرٍ فقال اعْمَلُوا ما شئتُم فقد غَفَرتُ لكُم".
هكذا كان حال من اصطفاه الله ليكون من البدريين، الذين كانت لهم فضائل كثيرة ذكرها العلماء، ليس لشيء سوى أنهم شهدوا معركة فاصلة ليست من تنسيق وترتيب وتقدير البشر، بل من خالقهم عز وجل. واقرأوا إن شئتم تفاصيل بدر، ما قبلها وأثناءها وبعدها.