‭ ‬إباظيون ومالكيون‮.. ‬كلنا جزائريون

لا إباضية لا مالكية.. الأزمة صناعة أياد خارجية.. لا نريد تفتيت الوطن، أطفئوا نار الفتنة، وأوقفوا المذنبين، عززوا الأمن.. هي صرخة أهالي القرارة الجريحة، عدم الاتفاق موجود لكن الاتفاق أيضا موجود، والاتفاق يخص وجود أياد خارجية تحرك الأحداث، وثائق هوية مزورة، سيارات مستأجرة من ولايات أخرى من وكالات تأجير السيارات، و"أشخاص غرباء" عن المنطقة كانوا وراء أحداث الدم في الولاية، المدينة الهادئة التي أسقطت 22 روحا بشرية في الشهر المبارك.. حقائق وقفنا عليها وجرح ينزف لم يندمل كان سبب الاستعانة بكل العاقلين لإنهاء هذا الشرخ الذي لم يلتئم منذ زمن، ولأسباب تكون في كل مرة غير معلومة أو متعمد إخفاء ما يقف وراءها أو من يقف وراء المتربصين..

هكذا بدأ "اليوم المشؤوم"

  "الشروق" تنقلت أمس، إلى القرارة، حيث وقفت علىجزء من الحقائق، وكانت البداية وبعد مرور أكثر من ثلاثةأيام عن "اليوم المشؤوم"، باكتشاف وثائق تخصالسيارات التي خرجت منها رصاصات الموت تعود إلىصاحبها مالك وكالة تأجير السيارات "ب. م"، منمواليد 1982 بالعاصمة، سيارة "أوبل" ترقيم "16"،وسيارة "شيري" أيضا، وبطاقة أخرى، بطاقة فنانللمدعو "ك.ت" وهو راقص "هيب هوب"، وجواز سفر باسم "ع.م.ب" من مواليد جانفي 1989، ومعهرخصة سياقة صادرة عن دائرة القرارة.

الغريب في الأمر أن المعني يملك رخصتين اثنتين، بطاقة شفاء مزورة، وبطاقة أخرى "كريدي بنك" مزورةبدون رقم وبدون اسم، الأمر لم يتوقف عند الجنس الخشن، بل تعداه إلى الجنس اللطيف، حيث عثر علىرخصة سياقة لشابة "ح.س" من مواليد نوفمبر 1991، صادرة عن دائرة الحراش، ونسخة عن بطاقة تعريفأخرى للمدعوة "ف. ب.ح" صادرة عن دائرة تمنراست، كما تضمنت الوثائق "إخطارا بالكف عن البحث"صادر عن مجلس قضاء تيارت ومحكمة فرندة، في القضية رقم "15/00230 "، بخصوص المدعو "ب.ن"المولود بتاريخ 6 جوان 1976   .

 

قوات الأمن بالمرصاد..

..   هي وثائق تطرح ألف سؤال عن سبب وجودها في هذه السيارات وحقيقتها وحقيقة أصحابها وعلاقتهمببعضهم البعض، وما إن كان الأمر حقيقة يتعلق بعلاقة مشبوهة أم محاولة لتوريط أبرياء، هي حقائق تركناصلاحية الفصل فيها للسلطات الأمنية التي لم تغادر المكان برهة حتى في هذه الأيام الحارقة وخلال شهرالصيام.

 وتقول المعلومات حسب ما أكده شهود عيان إن السيارات بدأت في دخول المدينة يوم الثلاثاء في اليومالموالي لبداية الأحداث، حيث تعمدت القيام بمناورات وسط المدينة قبل أن يقوم بعض المواطنين بقطعالطريق أمامهم باستعمال الحجارة، وهنا بدأت طلقات الرصاص، وبدأت الفتنة، ونزفت دماء أبناء الوطنالواحد من الإخوة في الدم.. وبدأ معها فصل جديد من قضية سميت منذ زمن بالإباضية والمالكية، وهي فيالحقيقة قضية مخطط يسعى حاقدون وآثمون من خلاله لزرع الفتنة وتفريق الإخوة.

حقيقة وقفت عليها "الشروق" التي تنقلت أمس، إلى هذا الجزء العزيز من الوطن، حيث استوقفتنا صور"حروب أحياء" أو ربما "حروب عصابات"، فالمساكن المحروقة مازالت رائحة الدخان بها تزكم الأنوف،تقابلها عائلات مشردة وجدت في المدارس ملجأ لها وأخرى التحقت بذويها ممن نجوا من هالة الرعبوالترهيب والحرق، وآخرون جرحى مازالت دماؤهم تنزف، وآخرون التحقوا بالرحمان، توارى جثامينهم الثرىاليوم، إباظي ومالكي الكل جريح، والسبب "تخلاط" وفتنة توقدها أياد خارجية مشبوهة، تسعى لزرع ثقافةالانفصال وبث سموم التفرقة.. حسبما اتفق عليها الإخوة بين المذهبين.

 

الجميع مع إجراءات إطفاء نار الفتنة

هدوء خيم على الأرجاء، لا وجود للمواطنين إلا عدد قليل منهم، تراموا على جنبات الطرقات، حيث توجدبراميل الماء الموفرة من قبل المحسنين، تحت أشعة الشمس الحارقة لا مهرب إلا للماء حتى وإن كانساخنا، تحت 43 درجة مئوية، وفي كل مدخل أو مخرج توقفت سيارة للشرطة أو الدرك الوطني.. شباب فيمقتبل العمر يتكئون على جدران المؤسسات العمومية أو المنازل عل وعسى يسرقون من الظل جزءا..

وبين هذا وذاك تثمين من الطرفين للإجراءات المتخذة من قبل السلطات لإعادة الأمور إلى نصابها، خصوصاما تعلق بحظر التجول، وسل سيف الحجاج في وجه كل من تسول له نفسه المساس بأمن المنطقة الآمنة..وإن كانت المعلومة لم تصل كما يجب إلى كل المواطنين بخصوص حظر التجوال، فلا السلطات المحليةقدمت تحذيرات ولا حتى ممثلو الأحياء تمكنوا من الوصول إليها إلا بعد أن طلبت مصالح الأمن من المواطنيندخول مساكنهم.

يقول "ح. محمد بن أحمد"، مسؤول مركز سمار ورئيس حي محمود، إن ما تعرضت له منازل المواطنين عادبالمنطقة 40 سنة، "ولكن كل شيء يمكن أن يعوض عدا الروح البشرية.. 22 قتيلا بين مالكي وإباظي، هيكارثة بكل المقاييس في شهر الرحمة والغفران.. ليس المسلم من يقتل أخاه في غير رمضان، فكيف له أن يفعلذلك في هذا الشهر الفضيل"، يعلق "السيد. خ"، قبل أن يقاطعه شاب آخر كان يجالسه في أحد أقسامالمدرسة التي تم اقتحامها من أجل لم شمل العائلات المشردة "أنا إباظي مالكي درست تخصص شريعة فيجامعة خروبة، ودرسني أساتذة من المذهب المالكي..".

 

مرعوبون يجنحون إلى السلم.. ومتضررون يطالبون بالتعويض

أول شرارة للأحداث، يروي البعض أنها انطلقت من المسجد العتيق ليلة الإثنين بعد صلاة التراويح، هناكحيث بدأت المناوشات ومن ثم وصلت حد الاستفزاز ثم المشادة اليدوية قبل أن تصل إلى استعمالالسلاح، حيث سقط 22 ضحية. وبالتحقيق وبحسب معلومات رسمية تم توقيف 13 مشتبها فيه وضبطكمية هامة من الوقود وعدد من الأسلحة المستعملة في عمليات القتل، واستمرت عمليات "الدعمالمسموم" لعصابات الفتنة إلى غاية مساء أمس الأول، حيث تم ضبط شاحنة مملوءة بقارورات زجاجيةمجهزة لملئها بالمولوتوف، بالإضافة إلى سلاح ناري، وعند مساءلة صاحب الشاحنة ذكر أنها موجهةللاحتفال بعرس لأحد أقاربه.

الهدوء الحذر الذي عاد إلى الأرجاء، كان على جثث ضحايا وخسائر مادية وبشرية، فقد أحصيت قرابة 200مسكن متضرر، يطالب أصحابه بالتعويض، إذ تكفل بعض العارفين بالمنطقة بتدوين قوائم ونسبة الخسائر،قبل رفعها إلى السلطات المحلية التي لم نجد لها أثرا، ولم يجد لها المواطنون سبيلا إلى غاية أمس..

وتشابهت المطالب بين الطرفين، حتى وإن كان كل طرف وفي بعض المرات يكيل التهم للطرف الآخر ويعتبرهمذنبا، ورغم ذلك يبقى أخا عزيزا.. الكل يريد استتباب الأمن وتطبيق القانون على الجميع، دون الميل لأيطرف، "نطالب بتحقيق شامل متكامل حول الأحداث، ونرفض الحديث باسمنا من أي طرف كان، المشكليكمن في عدم التوازن في الأدوار التي تتكفل بها المساجد، إن كانوا يرغبون في إحداث توزان، يجب منحالاستقلالية للمساجد في النشاط، ومنع الأحزاب من دخول ولاية غرداية".. يقول "السيد.ن" أحد مواطنيغرداية، قبل أن يضيف "هناك خطة وأمور تحدث بين السطور، تواطؤ واضح لأحد المسؤولين بالمنطقة معطرف ضد طرف، في الوقت الذي قام أعوان الأمن بحماية المواطنين دون تفرقة"، ويقول آخر رفض ذكراسمه: "الأسلحة المستعملة من صناعة أجنبية، حتى إنها اخترقت خوذة الشرطة، لدينا معلومات عن وجودمغاربة وليبيين ويهود يسعون لتقسيم البلاد بإثارة الفتنة، ووجدوا في غرداية ثغرة يريدون استغلالها لذلكنطالب السلطات بوضع حد لهذه التجاوزات قبل أن تنفلت الأمور، لا نريد أن يتدخل الأجانب في بلدالشهداء"..

 

إباظي أو مالكي.. كلنا جزائريون

لم يكن التنقل تحت أشعة الشمس الحارقة في منتصف النهار بالأمر الهين، ومع ذلك لم يبخل المواطنونبتقديم طلباتهم ومعلومات لإفادة وتنوير الرأي العام، يقول "عمي علي": "الحديث عن سياسة الانفصال أمرفارغ ودعايات، نحن يحمينا علم واحد هو علم الشهداء، كلنا نحمل بطاقة تعريف خضراء، حتى عقد الزواجنستخرجه من محكمة واحدة.. جزائريون إباضية ومالكية والباقي مجرد كلام"..

من حي كدية شوف إلى حي محمود، ومن حي عيسات إيدير إلى حي العربي بن مهيدي، إلى عميروشوعطاشي، إلى ولاد سايح وأولاد نايل والشرفة، مواطنون من وطن واحد ودين واحد، جمعتهم الرقعة الجغرافيةوالعلم الواحد والوطن الواحد وتسعى أياد الفتنة لتفرقتها، لا أحد يمكنه أن ينكر أن مشادة حدثتورصاصات خرجت وقتلت وشيوخ تم ترويعهم، وشباب تم تخويفهم وتجويعهم في الشهر الفضيل منالطرفين، ولا أحد يمكنه أن يكذب أن مساكن الإباضية احترقت وهدمت ومساكن المالكية أشعلت فيهاشرارات الفتنة، فأتت عليها دون رحمة، لكن الصوت الغالب هنا هو تغليب صوت الحكمة واتخاذ تدابيرنهائية تطفئ هذه "الجمرة الخبيثة" التي ما فتئت تشتعل بوقود الفتانين.. والبحث في جذور المشكل ومداواتهفي العروق حتى يبرأ دون تشوه، فالأرض للجميع والوطن يسع الجميع وما على العقلاء سوى جعل العقليرجح وتوقيف رؤوس الفتنة لأنهم حقيقة يجب الاعتراف بوجودها.